المجلة | حــديث |عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ع

/ﻪـ 

عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: (هو اختلاس، يختلسه الشيطان من صلاة العبد) رواه البخاري.
الالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان: أحدهما: التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى. الثاني: التفات البصر، وكلاهما منهي عنه . ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته ، فإذا التفت بقلبه أو بصره أعرض الله تعالى عنه . وفي أثر يقول الله تعالى : ( إلى خير مني ، إلى خير مني؟) ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه مثل رجل قد استدعاه السلطان فأوقفه بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه ، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يميناً وشمالاً وقد انصرف قلبه عن السلطان فلا يفهم ما يخاطبه به؛ لأن قلبه ليس حاضراً معه ، فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟ أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتاً مبعداً قد سقط من عينيه ؟ فهذا المصلي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله تعالى في صلاته الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتلأ قلبه من هيبته ، وذلت عنقه له ، واستحى من ربه تعالى أن يقبل على غيره أو يلتفت عنه . فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله وبينه حجاب لم يكن إقبالاً ولا تقريباً ، فما الظن بالخالق عز وجل ؟ وإذا أقبل على الخالق عز وجل وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس والنفس مشغوفة بها ملأى منها فكيف يكون ذلك إقبالاً وقد ألهته الوساوس والأفكار وذهبت به كل مذهب؟ والعبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه ، فإنه قد قام في أعظم مقام وأقربه وأغيظه للشيطان وأشده عليه ، فهو يحرص ويجتهد أن لا يقيمه فيه ، بل لا يزال به يعده ويمنيه وينسيه ويجلب عليه بِخَيْلِهِ ورَجله حتى يهون عليه شأن الصلاة فيتهاون بها فيتركها . فإن عجز عن ذلك منه وعصاه العبد وقام في ذلك المقام أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويحول بينه وبين قلبه، فيذكره في الصلاة ما لم يذكر قبل دخوله فيها ، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة وأيس منها فيذكره إياها في الصلاة ليشغل قلبه بها ويأخذه عن الله عز وجل ، فيقوم فيها بلا قلب ، فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل الحاضر بقلبه في صلاته ، فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله لم تخف عنه بالصلاة ، فإن الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها ، وأكمل خشوعها ، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقابله . فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه ، وأحس بأثقال قد وضعت عنه . فوجد نشاطاً وراحة وروحاً ، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ، لأنها قرة عينيه ونعيم روحه وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا ، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها لا منها . فالمحبون يقولون : نصلي فنستريح بصلاتنا كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم يا بلال أرحنا بالصلاة ولم يقل أرحنا منها ، وقال صلى الله عليه وسلم: (جعلت قرة عيني في الصلاة) فمن جعلت قرة عينه في الصلاة كيف تقر عينه صلى الله عليه وسلم بدونها ، وكيف يطيق الصبر عنها ؟ فصلاة هذا الحاضر بقلبه الذي قرة عينه في الصلاة هي التي تصعد ولها نور وبرهان ، حتى يستقبل بها الرحمن عز وجل فتقول: حفظك الله تعالى كما حفظتني. وأما صلاة المفرط المضيع لحقوقها وحدودها وخشوعها، فإنها تُلَفّ كما يُلف الثوب البالي ويضرب بها وجه صاحبها وتقول ضيعك الله كما ضيعتني. فالصلاة المقبولة والعمل المقبول أن يصلي العبد صلاة تليق بربه عز وجل . فإذا كانت صلاة تصلح لربه تبارك وتعالى وتليق به كانت مقبولة إن شاء الله رب العالمين.

المزيد